ن |
السويد والنظام الإقطاعي:
باستثناء مقاطعة سكين في أقصى الطرف الجنوبي من السويد التي كانت تحت السيطرة الدنماركية في زمن الإقطاعية، فإن الإقطاع لم يتطور في السويد كما كان الحال في بقية أوروبا ولذلك فقد ظلت فئة القرويين طبقة من الفلاحين الأحرار في أغلب فقرات التاريخ السويدي. كما لم يشع الرق في السويد، كما انتهت الآثار القليلة من العبودية مع انتشار المسيحية لصعوبة الحصول على العبيد من الأراضي شرقي بحر البلطيق بالإضافة إلى تطور المدن قبل القرن السادس عشر.
وألغيت كل من العبودية والقنانة تماماً بموجب مرسوم من الملك ماغنوس اريكسون في 1335. وانضمت طبقة العبيد السابقة إلى الفلاحين أو أصبحوا عمالاً في المدن. مع ذلك ظلت السويد فقيرة ومتخلفة اقتصادياً حيث كانت المقايضة وسيلة البيع والشراء. فعلى سبيل المثال، كان المزارعون من مقاطعة داسلاند ينقلون الزبدة إلى مناطق التعدين في السويد، لتبادلها هناك مقابل الحديد، ثم يبادلون الحديد بالسمك في المدن الساحلية بينما يشحن الحديد إلى خارج البلاد.
الطاعون يفتك بالسويد
فتك الطاعون بالسويد في القرن الرابع عشر، وأهلك "الموت الأسود" الكثير من سكان البلاد. وفي هذه الفترة بدأت المدن السويدية في الحصول على المزيد من الحقوق وتأثرت بشدة بالرابطة الهانزية التجارية الألمانية وبالأخص في فيسبي.
وفي 1319، توحدت السويد والنرويج تحت قيادة الملك ماغنوس إريكسون وفي عام 1397 عرضت ملكة الدنمارك مارغريت الأولى فكرة الوحدة بين الممالك الثلاث السويد والنرويج والدنمارك من خلال اتحاد كالمار. لكن خلفاء مارغريت لم يتمكنوا من السيطرة على نبلاء السويد وتركز حكمهم في الدنمارك.
الإمبراطورية السويدية والعصر الذهبي
سطع نجم السويد كقوة أوروبية كبرى في القرن السابع عشر، بعد أن كانت فقيرة جداً وبالكاد مأهولة بالسكان. وبرزت السويد كامبراطورية على الصعيد القاري في عهد الملك غوستاف أدولف الثاني، عندما استولى على أراض من روسيا وبولندا وليتوانيا في صراعات متعددة، أثناء حرب الثلاثين عاماً.
وفي حرب الثلاثين عاماً، احتلت السويد ما يقرب من نصف ولايات الإمبراطورية الرومانية المقدسة. وكان الملك غوستاف أدولف الثاني يطمح إلى أن يصبح إمبراطوراً جديداً للامبراطورية الرومانية المقدسة، ليحكم اسكندنافيا والإمبراطورية المقدسة موحدتين، ولكنه مات في معركة لوتزن في 1632. بعد معركة نوردلينجين (التي تعدّ الهزيمة العسكرية الهامة الوحيدة التي لحقت بالسويد في تلك الحرب) وبعد أن تلاشت المشاعر المؤيدة للسويد بين الولايات الألمانية، حررت هذه المقاطعات الألمانية نفسها من الاحتلال السويدي الواحدة تلو الأخرى، ولم يبقَ للسويد سوى عدد قليل من الأراضي الألمانية الشمالية: بوميرانيا السويدية وبريمين فيردين وفيسمار. ويشير خبراء في التاريخ إلى أن الجيوش السويدية دمرت نحو 2000 قلعة و18000 قرية و1500 بلدة في ألمانيا أي ما يعادل ثلث عدد القرى الألمانية.
وفي منتصف القرن السابع عشر، كانت السويد ثالثة كبرى دول أوروبا من حيث المساحة بعد روسيا وإسبانيا. وبلغت السويد أقصى اتساعها تحت حكم كارل العاشر بعد معاهدة روسكيلده في 1658. ويرجع الفضل في نجاح واستمرار مملكة السويد في تلك الفترة، إلى التغييرات الكبيرة في الاقتصاد السويدي في عهد الملك غوستاف الأول في منتصف القرن السادس عشر، ونشره البروتستانتية.
في القرن السابع عشر، شاركت السويد في العديد من الحروب، على سبيل المثال مع الكومنولث البولندي-اللتواني في خضم التنافس على الأراضي التي تشكل اليوم دول البلطيق، ومن أبرز أحداث هذا التنافس معركة كيركولم الكارثية.
لكن مجاعة جديدة ضربت الإمبراطورية السويدية، ولقي ثلث سكان فنلندا حتفهم في المجاعة المدمرة التي ضربت البلاد في 1696، وأودت المجاعة السويد أيضاً بأرواح 10% من سكان السويد.
وتزامنت المجاعة هذه مع الاجتياح السويدي للكومنولث البولندي-الليتواني، وهو ما يعرف باسم ديلوجه. بعد أكثر من نصف قرن تقريباً من الحروب المتواصلة، وهي أسباب أدت إلى تدهور الاقتصاد السويدي.
مما جعل مهمة كارل الحادي عشر (1655-1697)تتركز على إعادة بناء الاقتصاد وتجهيز الجيش. ليترك لابنه الملك القادم للسويد كارل الثاني عشر واحدة من أرقى ترسانات الأسلحة في العالم وجيشاً ضخماً وأسطولاً بحرياً كبيراً.
وشكلت روسيا في تلك الحقبة أكبر تهديد للسويد فقد كان جيشها أكثر عدداً ولكنه أقل كفاءة بكثير سواء من حيث المعدات أو التدريب.
بعد معركة نارفا في 1700، وهي واحدة من أولى معارك حرب الشمال العظمى، كان الجيش الروسي ضعيفاً جداً ولاحت للسويد فرصة لاجتياح روسيا، لكن كارل الثاني عشر لم يطارد الجيش الروسي، وفضل بدلاً عن ذلك مهاجمة ليتوانيا وبولندا وهزم ملك بولندا أوغسطس الثاني وحلفاءه الساكسونيين في معركة كليسزوف في 1702.
وبعدها قرر كارل الثاني عشر غزو روسيا مزهوا بالنصر المحقق على بولندا، لكن تأخره في ذلك كان منح الفرصة للقيصر الروسي لإعادة بناء وتحديث جيشه.
وانتهت المغامرة بفوز الروس فوزاً حاسماً في معركة بولتافا في 1709. حيث أنه وبعد المسير الطويل والتعرض لغارات القوزاق وتقنية الأرض المحروقة التي اتبعها القيصر بطرس الأكبر والمناخ الروسي البارد، تحطمت معنويات السويديين وضعف جيشهم وكانوا أقل عدداً بكثير من الجيش الروسي في بولتافا. وشكلت الهزيمة بداية النهاية للإمبراطورية السويدية. وفي السنوات التالية نجحت روسيا في ضم كافة مكاسب السويد في البلطيق وفنلندا أيضاً.
حاول كارل الثاني عشر غزو النرويج عام 1716، بيد أنه قتل برصاصة في قلعة فردريكستن عام 1718. لم يهزم السويديون عسكرياً في معركة فريدريكستن، ولكن الحملة على النرويج انهارت مع وفاة الملك وانسحب الجيش.
وأجبرت السويد على التخلي عن مساحات كبيرة من الأراضي في معاهدة نيستاد في 1721، وبالتالي فقدت مكانتها كإمبراطورية وكدولة مهيمنة على بحر البلطيق. ومع فقدان السويد لنفوذها، برزت روسيا كإمبراطورية وأصبحت واحدة من أمم أوروبا العظمى والدول المهيمنة. مع نهاية الحرب أخيراً عام 1721 كانت السويد قد فقدت نحو مئتي ألف رجل مئة وخمسون ألفاً منهم في الأراضي السويدية الحالية.
في القرن الثامن عشر، لم يكن لدى السويد ما يكفي من الموارد للحفاظ على أراضيها خارج اسكندنافيا وبالتالي فقدت معظمها، وبلغ الأمر ذروته مع فقدان أجزاء من شرق السويد لصالح روسيا عام 1809، والتي أصبحت دوقية شبه ذاتية الحكم في الإمبراطورية الروسية تحت مسمى دوقية فنلندا الكبرى.
وتحالفت السويد ضد حليفتها التقليدية فرنسا في الحروب النابليونية لإعادة الهيمنة السويدية في بحر البلطيق، ولعبت السويد دوراً كبيرا في معركة لايبزيغ مامكنها من إجبار الدنمارك-النرويج وهي حليفة لفرنسا على التنازل عن النرويج لملك السويد في 14 يناير/كانون الثاني 1814 مقابل الحصول على المقاطعات الألمانية الشمالية بناء على معاهدة كييل.
وقمعت المحاولات النرويجية للحفاظ على مركزها كدولة ذات سيادة من قبل ملك السويد كارل الثالث عشر، وشنّ حملة عسكرية ضد النرويج يوم 27 يوليو/تموز 1814 انتهت باتفاقية موس التي اضطرت النرويج بمقتضاها إلى الاتحاد مع السويد تحت التاج السويدي قبل أن تنفصل في العام 1905. الحملة العسكرية في عام 1814 كانت الحرب الأخيرة التي شاركت فيها السويد.
تاريخ السويد الحديث
شهد القرنان الثامن عشر والتاسع عشر زيادة سكانية كبيرة، عزاها الكاتب إيساياس تيجنر في عام 1833 إلى "السلام ولقاح الجدري والبطاطس"، وتضاعف عدد سكان البلاد بين عامي 1750 و1850. وفقاً لبعض الباحثين، واضطر كثير من السويديين إلى الهجرة الجماعية من بلادهم صوب الولايات المتحدة الطريقة الوحيدة خوفاً من المجاعة والتمرد، وهاجر نحو 1% من السكان سنوياً خلال ثمانينيات القرن التاسع عشر. ومع ذلك، ظلت السويد في فقر مدقع، لاعتمادها على الاقتصاد الزراعي بالكامل تقريباً، في الوقت الذي بدأت فيه الدنمارك ودول أوروبا الغربية في التصنيع.
وهاجر السويديون إلى أمريكا بحثاً عن حياة أفضل، ويعتقد أنه بين 1850 و1910 هاجر أكثر من مليون سويدي إلى الولايات المتحدة.
ووصل عدد السويديين في أوائل القرن العشرين في شيكاغو إلى أكثر من عددهم في غوتنبرغ ثاني كبرى مدن السويد. واستقر معظم المهاجرين السويديين في ولايات الغرب الأوسط من الولايات المتحدة، بوجود عدد كبير من السكان في ولاية مينيسوتا. بينما انتقل بعضهم إلى الولايات الأخرى إضافة إلى كندا.
وعلى رغم بطء وتيرة التصنيع في القرن التاسع عشر، فإن العديد من التغييرات المهمة أثرت إيجاباً في الاقتصاد الزراعي بسبب الابتكارات والنمو السكاني الكبير. وشملت هذه الابتكارات برامج ترعاها الحكومة لمنع الإقطاع والاعتداء على الأراضي الزراعية، كما تم إدخال محاصيل جديدة مثل البطاطس.
ولعبت طبقة المزارعين دوراً مهماً في تطور العملية السياسية في السويد وساعدها على ذلك أن البلاد لم تدخل عمليا في مرحلة القنانة كما هو الحال في أوروبا، حتى أن الحزب الزراعي تحول إلى حزب الوسط الحالي.وتعود النهضة الصناعية في البلاد إلى الفترة ما بين 1870 و1914 وما تلاها من تطورات أوصلت الوضع إلى ما هو عليه حالياً.
وبرزت حركات شعبية قوية في السويد خلال النصف الأخير من القرن التاسع عشر مثل النقابات العمالية وجماعات مكافحة الكحوليات والجماعات الدينية المستقلة، وشكلت بدورها قاعدة صلبة من المبادئ الديمقراطية. وتأسس الحزب الاشتراكي الديمقراطي السويدي في العام 1889. وسرعت هذه الحركات في انتقال السويد إلى الديمقراطية البرلمانية الحديثة، التي تحققت في فترة الحرب العالمية الأولى، وبما أن الثورة الصناعية تقدمت خلال القرن العشرين، بدأ الناس تدريجياً في الانتقال إلى المدن للعمل في المصانع، وشاركوا في النقابات الاشتراكية.
السويد والحربان العالميتان
اتخذت السويد رسمياً موقف الحياد خلال الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية، على الرغم من أن حيادها أثناء الحرب العالمية الثانية كان محط جدل. ووقعت السويد تحت النفوذ الألماني لفترة طويلة من الحرب، وانقطعت علاقاتها مع بقية العالم بسبب الحصار. وارتأت الحكومة السويدية أنها ليست في وضع يسمح لها بمقارعة ألمانيا، فقدمت بعض التنازلات. كما قامت السويد أيضاً بتوريد الصلب وقطع الآلات لألمانيا طوال فترة الحرب. ومع ذلك، فإن السويد أيدت المقاومة النرويجية، وفي عام 1943 ساعدت في إنقاذ اليهود الدنماركيين من الترحيل إلى معسكرات الاعتقال. كما ساعدت السويد فنلندا خلال حرب الشتاء وحرب الاستمرار بالعتاد والمتطوعين.
وأخذت السويد تلعب دوراً أكبر مع اقتراب نهاية الحرب، خصوصاً في جهود الإغاثة الإنسانية، بقبولها للكثير من اللاجئين وبالأخص من اليهود من المناطق التي خضعت للاحتلال النازي. وأُنقذ كثير من هؤلاء بسبب عمليات الإنقاذ التي أجرتها السويد في معسكرات الاعتقال ولأنها اعتبرت ملاذاً للاجئين ومعظمهم من دول الشمال ودول البلطيق. مع ذلك، فإن كثيراً من النقاد الداخليين والخارجيين يعتقدون أنه كان بوسع السويد أن تفعل المزيد لمقاومة النازية أثناء الحرب، حتى ولو بالمخاطرة باستقلالها.
السويد والحرب الباردة
في أعقاب الحرب العالمية الثانية، استغلت السويد قاعدتها الصناعية السليمة والاستقرار الاجتماعي ومواردها الطبيعية لتوسيع صناعتها وتمويل إعادة بناء أوروبا. وكانت السويد جزءاً من مشروع مارشال وشاركت في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية. وفي معظم فترة ما بعد الحرب، حكم البلاد حزب العمل الاجتماعي الديموقراطي، الذي فرض سياسات نقابية مفضلاً الشركات الرأسمالية الكبرى والنقابات الكبرى، وخاصة اتحاد نقابات العمال السويدية، المشترك مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي. وانفتحت السويد على التجارة واتجهت إلى المنافسة الدولية في قطاع الصناعة التحويلية. وحققت نسب نمو مرتفعة حتى سبعينيات القرن الماضي.
شأنها شأن بلدان كثيرة، دخلت السويد فترة من التدهور الاقتصادي والاضطراب في أعقاب الحظر النفطي 1973-1974 و1978-1979. وفي الثمانينيات، أعيدت هيكلة ركائز الصناعة السويدية في شكل كبير. وتوقف بناء السفن واستخدم لب الخشب في صناعة الورق الحديثة، كما تم التركيز على صناعة الصلب وأصبحت أكثر تخصصاً بينما أصبحت الصناعات الميكانيكية تدار آلياً.
بين عامي 1970 و1990، ارتفعت الضريبة العامة بنسبة تزيد على 10 %، وكانت معدلات النمو منخفضة جداً بالمقارنة مع معظم البلدان الأخرى في غرب أوروبا. بلغت ضريبة الدخل الهامشية على العمال أكثر من 80٪. وفي النهاية خسر الاقتصاد أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي، ما أدى إلى تراجع السويد من قائمة أكبر خمس دول من حيث الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد. ومنذ أواخر السبعينيات أثارت السياسات الاقتصادية للسويد على نحو متزايد شكوك الاقتصاديين ومسؤولي وزارة المالية.
السويد وما بعد الحرب الباردة
أدت فقاعة ازدهار سوق العقارات بسبب القروض غير المدروسة بالإضافة إلى الركود الاقتصادي العالمي وسياسة التحول من سياسات مكافحة البطالة لسياسات مكافحة التضخم إلى أزمة مالية في أوائل التسعينات. وانخفض الناتج المحلي الإجمالي في السويد بحوالي 5 ٪ في عام 1992.
وقامت الحكومة بخفض الإنفاق إضافة إلى العديد من الإصلاحات الرامية إلى تحسين قدرة البلاد على المنافسة ومن بينها الحد من الرفاهية الاجتماعية وخصخصة الخدمات والسلع العامة. وروجت المؤسسة السياسية لصالح دخول عضوية الاتحاد الأوروبي وجرى تمرير استفتاء انضمام السويد بنسبة 52٪ لصالح الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي يوم 13 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1994. وانضمت السويد إلى الاتحاد الأوروبي في 1 يناير/ كانون الثاني عام 1995.
لا تزال السويد غير منحازة عسكرياً، رغم أنها تشارك في بعض المناورات العسكرية المشتركة مع منظمة حلف شمال الأطلسي وبعض البلدان الأخرى، بالإضافة إلى تكثيف التعاون مع البلدان الأوروبية الأخرى في مجال تقنية الدفاع والصناعات الدفاعية. من بين أمور أخرى، وتمتلك السويد تاريخاً طويلاً من المشاركة في العمليات العسكرية الدولية، آخرها في أفغانستان، حيث القوات السويدية تحت قيادة حلف شمال الأطلسي، وهي تحت قيادة الاتحاد الأوروبي في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في كوسوفو والبوسنة والهرسك وقبرص.
0 التعليقات:
إرسال تعليق